رحله الآثام منال سالم
كده يا باشا هو اللي استهتر بالمسئولية اللي عليه ومقدرش قيمة اللي معاه.
ثم انتصب بكتفيه وأكد له بحماس متزايد
عموما أنا جاهز للي تؤمرني بيه.
استحسن ما أظهره من جدية وقال
طول عمرك مريحني يا مهاب.
أكمل بعدها الاثنان مناقشة بنود الاتفاق كل بند على حدا حتى تساءل فؤاد في اهتمام كبير
صحيح ماجبتش حفيدي معاك ليه
أجابه متحججا
رد عليه بإيجاز
عظيم.
ثم تداول كلاهما ما تبقى من بنود على روية ليضمن مهاب بذلك عدم توريط عائلته في أي شيء قد ينذر بالخسارة.
رغم انفصالها الأكيد عنه إلا أنها ظلت ماكثة في البيت مضطرة متقبلة الوضع الحرج فلا مكان غيره متاح لها لتذهب إليه أقامت تهاني في غرفة ابنها تنهش الأفكار المحيرات في رأسها وتلتهم الخواطر المؤرقات ما تبقى من صمودها. تربصت وانتظرت على أحر من الجمر عندما جاء ممدوح للقاء زوجها الذي عاد لتوه من سفره تعلقت بأمل محاولته المستميتة للمساهمة في إيجاد الحل المناسب لها لضمان عدم حرمانها من صغيرها أبدا خاصة مع التقلبات المزاجية لطليقها والتي تبدو في غالبيتها غير مضمونة العواقب. لم تتحمل التنصت عليهما فأعصابها مرهقة وقواها مستنزفة لذا انسحبت وبقيت تنتظر الخبر اليقين من أحدهما.
نعم أنا أتجوز تهاني
كان يتحدث إليه كأنما
يأمره لا يطلب منه رأيا خاصة مع تأكيده
أيوه معنديش حل إلا كده...
على حاله المستغرب بينما رفيقه لا يزال يخاطبه بعبارات موحية
وماتقلقش أنا هظبطك وأراضيك بقرشين حلوين.
حاجته إلى المال الذي يضعه في مقدمة صفوف الأثرياء وصفوة المجتمع كانت تفوق أي رغبة أخرى ومع ذلك تعلل بامتناعه عن القبول قائلا
بس الموضوع محرج دي مراتك...
ثم ثبت نظراته القاتمة عليه وهو يتم جملته بعبارة وصل مدلولها الصريح إليه في التو
رد عليه مهاب ببساطة شديدة وهو يتحرك صوبه
أنا مضطر لكده عشان أقدر أصلح الوضع.
ناوله كأسا من المشروب قبل أن يتابع بمزاح
وبعدين إنت مش حد غريب!
كالحرباء المتلونة تمسك ممدوح بحجته وأصر عليها
إنت فاهم إن ظروفي ماتسمحش أتجوز
ضحك في استمتاع وغمز له بطرف عينه هاتفا
اطمن كله بحسابه.
خد دول مؤقتا.
تحايل عليه بمكر وأظهر له تردد في القبول مهمهما بتذمر طفيف
بس آ...
أصر عليه في تصميم
خلاص يا ممدوح ماتعقدش الحكاية!
وكأنه أعطاه مفتاح الخلاص ووسيلة أخرى للتربح منه ليس ماديا فقط بل بطرق أخرى مغرية. مد الأخير يده والتقط الرزمة الورقية ناظرا إليها باشتهاء قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة ماجنة أتبع ذلك قوله الهادئ والمشابه لمكر الثعالب
يتبع الفصل الثالث والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الشرف
أعطاه محاميه المخضرم أثناء فترة تواجده
بالعاصمة المصرية الفتوى اللازمة لحالة الطلاق الخاصة بوضعه وجاءت بأن طلاق عاقر الخمر لا يقع عند بعض جمهور العلماء لكونه في غير وعيه ومع ذلك أصر على إتمام إجراءات الانفصال بشكل رسمي ليقطع عليها الطريق للعودة إلى عصمته. أتى قراره المفاجئ بعد لقائه غير المرتب بهذه الحسناء الثرية ابنة شريك العمل الجديد. استحضر في ذهنه كيف جرت تفاصيله وكأنها حدثت بالأمس.
تغنجت شابة ظهرت من العدم وكأن السماء لفظت إحدى حورياتها الفاتنات لتمشي في تفاخر ودلال بثوبها القصير الأزرق المتطاير أطرافه مع نسمات الهواء تلقائيا تعلقت أنظاره بها فبدا وكأنه لم يعد يرى سواها أسرت عيناه وجعلته غير قادر على إبعادهما عن طلتها البهية خفق قلبه خفقة عجيبة موترة عندما وجدها تدنو من المائدة الجالس عليها بصحبة والده وضيوفه انقلبت سحنته للعبوس وهي تنحني في رقة نحو السيد شوقي بعدما حاوطته من كتفيه لتطبع قبلة رقيقة على وجنته وهي تسأله
لسه مخلصتش
شعر وكأن موجة من نيران الغيرة ټضرب داخله اجتهد لئلا يظهر تأثير ذلك عليه وكيف يحدث له هذا وهو يلقاها للمرة الأولى تركز سمعه مع ضيفه الذي خاطبها بمحبة ضاعفت من إحساسه بالحق
شوية وهكون معاكي يا حبيبتي.
نظرة خاطفة سددتها الشابة نحو مهاب ليشعر بتبدل عالمه الرتيب لآخر غريب ومقلق. ودعته الشابة المتدللة في نعومة تليق بها بعدما نفضت شعرها الفاحم المسترسل في الهواء ليغمره كوشاح من الحرير
أوكي سلام.
بالكاد تمكن مهاب من إبعاد ناظريه عنها بعدما اختفت عن الأنظار ثم أجلى أحبال صوته وتساءل في صوت شبه متحفز وخشن
مين دي يا شوقي باشا
أجابه في زهو وهو يرمقه بهذه النظرة الغامضة
دي بنتي الوحيدة ناريمان.
أثلجت الحقيقة صدره وجعلت هذه التشنجات التي انعكست على ملامحه تختفي دفعة واحدة استحثه فضوله على التعليق بنزق
أنا أول مرة أشوفها!
أخبره كنوع من التصريح
هي طول عمرها عايشة مع والدتها برا وبتنزل في الأجازات عندي بس حقيقي هي مربياها على الأصول والتقاليد الملكية.
جاء تعقيبه مصحوبا بابتسامة متشوقة
واضح عليها فعلا.
تابع شوقي كلامه مؤكدا في تلميح متوار
وكل العز اللي أنا فيه هسيبه ليها بحيث ماتحتاجش لحاجة من بعدي.
هنا تساءل مهاب في شيء من الاندفاع
هي مش مخطوبة
حينئذ نظر له فؤاد بنظرة صارمة وكأنه يحذره من إفساد مسألة الشراكة بالخوض في نزوة لاهية ومع ذلك لم ينطق بكلمة بينما استمر شوقي في الحديث فأضاف
ناريمان آخر حاجة بتفكر فيها الخطوبة أو الجواز...
ثم أطلق ضحكة مصطنعة قبل أن يتابع
وبصراحة كده أنا اللي مشجعها على ده مش لاقي الشخص المناسب اللي يستاهلها فسايبها تعيش حياتها بالطول وبالعرض.
استغل مهاب الفرصة ليعقب بمكر يجيده
هي زي الأميرات تستاهل الأفضل ومش أي حد
وصل إليه مدلوله العابث فحذره
إنت هتعاكس بنتي قصادي ولا إيه يا مهاب
في التو استعمل أسلوبه المتمرس الخبير وقال ممازحا
مقدرش يا فندم وبعدين فؤاد باشا يقطع رقبتي!
قهقه شوقي ضاحكا على ما اعتبرها طرفة في حين استمر مهاب في كلامه باسما
في المسائل دي مابيتساهلش!
حمحم فؤاد مستطردا
خلونا نرجع للشغل تاني.
لحظات واستفاق مهاب من الذكرى غير البعيدة عنه وقد لاحت ابتسامة راقية على وجهه سرعان ما تدارك وجودها وأخفاها ببراعة وراء ملامح الجدية ليخاطب رفيقه مشددا
أنا مش عاوز شوشرة في الحكاية دي ماتنساش أنا ليا لي سمعتي هنا.
ضحك ممدوح هازئا وقال بشفاه ملتوية كأنما يسخر منه
طبعا وأنا سيد من يداري عليك.
ترك مهاب كأسه مؤكدا في صوت هادئ
وزي ما وعدتك هظبطك.
رد عليه مظهرا عدم ممانعته
اتفقنا.
نهض من جواره
وتحرك
بعدئذ تجاه باب غرفة مكتبه ليدير برأسه قائلا
هسيبك تكمل كاسك وهطلع أبلغ المدام بالقرار.
أشار له بكأسه هاتفا ببرود مستمتع
خد راحتك.
اختفى مهاب وبقيت نظرات ممدوح على أثره ليقول باسترخاء شديد وهو يفرد ذراعه على حافة الأريكة متمتعا بالدور الجديد الذي منح له
ما أنا بقيت في بيتي خلاص!
ظلت تعتصر كفيها معا وهي تدور حول نفسها في عدد غير معلوم من الدوائر المفرغة لا تعرف ما الذي يخبئه المجهول لها فزوجها لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. انتفضت تهاني فزعة كليا حين فتح الباب فجأة بالكاد أطبقت على شفتيها لتمنع نفسها من الصړاخ حين رأته يلج للداخل. نظر لها مهاب شزرا واستطرد ممهدا لحديثه بتحذير
لاقيت حل لمشكلتنا بس مش عاوز اعتراض.
دون تفكير انطلق لسانها يخبره وهي تهز رأسها بإيماءات موافقة
أنا جاهزة لأي حاجة طالما مش هبعد عن ابني.
ظل يتفرس وجهها مليا ليخبرها على مهل كأنما يراقب ردة فعلها
إنتي.. هتتجوزي ممدوح!
برزت عيناها واتسعتا في صدمة كبيرة قبل أن تردد بصوت ذاهل وملامح أكثر اندهاشا
إيه ممدوح مين
ابتسم في سخط وعلق بتهكم
هو في غيره صاحبي!
انقبض قلبها بقوة كما شعرت بالخدر يصيب تفكيرها فراحت تردد بلا استيعاب
إزاي الكلام ده معقولة أنا وآ...
رفضت تقبل الفكرة برمتها وصاحت مستنكرة لجوئه لهذا الأمر
لأ ما ينفعش!! استحالة طبعا!!
زفر الهواء عاليا وقال بتصميم
مافيش قدامي إلا هو عشان أعرف أردك من تاني.
سلطت نظراتها المستهجنة عليه وخاطبته في عتاب مصډوم
مهاب.. إزاي تقبل بكده
قال بهدوء
فترة بسيطة لحد ما نرجع لوضعنا.
مجددا اعترضت بعناد على اقتراحه الصاډم
بس آ...
قاطعها قبل أن تتم جملتها مستخدما لهجة الإنذار
أنا قولت مش عاوز اعتراض وإلا إنتي عارفة النهاية.
أولاها ظهره وتركها في الغرفة تتخبط في أفكارها فاڼهارت جالسة على أقرب مقعد متسائلة في غير تصديق وبتحير مشوب بالخۏف والارتياع
طب تيجي إزاي!!
زادته هما على هم بعدما ملأت رأسه وعبأتها بكلامها المسمۏم عن زوجة شقيقه تلك التي أفسدت الود بين أفراد العائلة وزرعت القطيعة والخصام بين الأرحام فما كان منه إلا أن استجاب بعد وسوسة وإلحاح لخطتها الجهنمية لتخليص شقيقه المسكين ممن اعتبرتها الأفعى الخبيثة. هبط بدري من الحافلة التي قطعت مسافة طويلة من بلدته ليصل إلى حيث يقطن شقيقه وحديث والدته يرن في أذنه
هي اللي بوظت حياتنا وجابت لنا النحس والهم.
آنئذ رد عليها متعللا
بس يامه هما اللي استغنوا عن خدماتي وآ...
قاطعته في حدة
وده حصل إزاي ما هو بسببها يا ضنايا!!
نظر لها وهو مقطب الجبين فأكملت على نفس النهج اللئيم
ناس حبايبي قالولي إنها عملتلك عمل تخرب به حياتك وتخسرك كل حاجة.
سألته في خبث لتضمن ملء نفسه بالمزيد من الكراهية والأحقاد تجاهها فتضمن بذلك انصياعه التام لها
قولي إنت شوفت من إمتى الراحة والهنا من بعد معرفتها الشوم!!!
تحديث إليه في غير رأفة
لو سمعت كلامي ونفذته بالحرف صدقني هنرتاح كلنا منها والدنيا هترجع تضحكلك.
قال بتردد
بس ده حرام وآ...
أسكتته بصياحها
وحلال اللي إنت فيه ده لا شغلة ولا مشغلة ولا جواز ولا عيال ولا أي نصيبة خالص!!
لاذ بالصمت مجبرا فاستمرت في إحراقه بنيران كلامها
وأخوك عمره ما هيسمع كلامي هيركبها علينا كلنا ويدلدلها فوق رقابنا بكرة نلاقيها جاية واخدة اللي فاضلنا من ملكنا وتقعد وتتربع!
عكست تعابيره حينها شړا متعاظما فابتسمت وهي تزيد من وسوستها الخبيثة إليه
اعمل بس اللي قولتلك عليه وأنا في ضهرك مش هسيبك
عاد إلى واقعه وهو يسرع في خطواته ليعبر الطريق استجاب لما دعته إليه والدته وشرع في تنفيذ ما أملته عليه كان يعلم جيدا أن شقيقه لا يتواجد نهارا
ببيته وينشغل
لحظة غادرة لم ينتبه فيها إلى أين يضع قدمه خاصة مع الزحام الشديد فتجمد في موضعه عندما رأى هذه الشاحنة الضخمة تقترب منه استوعب الخطړ وتداركه وحاول تفادي سائقها الأرعن كاد أن ينجح في النجاة ببدنه لولا أن لحقت سيارة أخرى به لم يرها مطلقا وكأن القدر قد أعمى بصره فصډمته في قساوة ودهست ساقيه لينطرح على الأسفلت القاسې
بعد أن وصلت إليه الأخبار السيئة اصطحب زوجته واتجه في الحال إلى المشفى شبه الاستثماري ليتفقد أحوال شقيقه الأصغر اعتصر الألم قلبه وبكاه بكاء مريرا خاصة حينما علم بسوء وضعه الصحي. انزوى