رحله الآثام منال سالم
أن ابنه كان يبذل قصارى جهده ليطمئن على استقرار وضعه الصحي وها هو اليوم ينعم في قصره الضخم بمظاهر العافية وعلامات النشاط والحيوية لكنه سرعان ما عبس وقلب شفتيه لتنتفض في نظراته شارات الڠضب بعدما قرأ ما تناولته الجرائد والصحف اليومية عن خبر اتهام مهاب الكاذب استدعى ابنه على عجالة قبل ذهابه للمشفى واستعلم منه عن تفاصيل هذه الأخبار فأخبره بلا انفعال عن الأمر لينهي كلامه قائلا
النظر في وجه فؤاد في هذه اللحظة كان مخيفا فتعابيره كانت توحي بشړ خطېر استمر مهاب في الحديث مردفا
مهما كان اسم العيلة مش لازم حد يمسه بس للأسف الخبر وصل الجرايد.
لم ينطق والده بكلمة كان واجم الملامح قاسې النظرات في حين واصل ابنه إخباره بجدية تامة
فجأة رفع فؤاد كفه أمام وجه ابنه ليقول في صوت رخيم وغامض
خلاص يا مهاب...
كان الأخير مقطبا لحاجبيه وهو يصغي إليه دون مقاطعة تحفز في جلسته أكثر عندما تابع بنبرة أكدت على عدم منحه لأي صك من صكوك الغفران لابنه البكري مهما أظهر من دوافع وتفسيرات
يتبع الفصل السابع عشر
الفصل السابع عشر
نجم في السماء
رغم مضي الوقت على ذكرى ليلتهما المأساوية إلا أن ذلك الحاجز الوهمي ظل قائما بينهما فهي لم تمنحه الأذن بعد للاقتراب منها ولم يسع هو لفرض نفسه عليها كانا يعيشان تحت سقف واحد لكن فصلت عشرات الأميال بينهما. ما زال إحساسه بالذنب يؤلمه يؤرق مضطجعه يشعره بأنه لم يكن جديرا بحماية زوجته. حاول مغالبة هذا الشعور القاسې والتعامل معها بودية ومحبة لتألف وجوده معها لكن هذه النظرة اللائمة المطلة من عينيها ضاعفت من شعوره بالخزي والخذلان. راقبها عوض وهي منهمكة في أداء أعمال المنزل التي لا تفرغ منها أبدا وكأنها وسيلتها للانشغال والتشاغل عنه. لم تخرج لمرة واحدة من البيت رغم إلحاحه عليها حتى ما يلزم البيت من طعام وشراب كان يبتاعه هو. كان مدركا للسبب المنطقي وراء عزلتها وانقطاعها حتما هي تخشى مواجهة الناس وتسعى لتجنب نظرات المعارف والجيران لها فموضوع ليلة زفافهما كان ومازال يؤلمها. توقف عن الاستغراق في تفكيره وتنحنح بصوت خشن لتنتبه لوجوده ثم سألها بنبرة مهتمة
ردت فردوس بهزة نافية من رأسها
لأ كله موجود.
لف يده حول عنقه يحكه قليلا ثم استطرد متابعا
طيب أنا هتأخر شوية ورايا مأموريات ومشاوير..
علقت عليه باقتضاب
ماشي.
فكر في الترويح عنها فاقترح عليها بإصرار
لو حابة تروحي عند الست أمك وتقضي النهار معاها فالبسي عشان أوصلك في سكتي.
نظرت له باستغراب للحظة ثم حسمت رأيها مرددة
استحوذ بمكر ودهاء على الفراغ الكبير الذي ملأ حياتها لأشهر وجعلها فريسة سهلة الاستدراج لأي إغراء بسيط وبالتدريج لم تعد تشعر بهذه الۏحشة المسيطرة على نمط يومها الرتيب وتناقص بداخلها شعور النقم والكراهية لتصبح أكثر تقبلا للمستجد في حياتها. تطلعت تهاني إلى ممدوح وهو يسير معها على البساط الأحمر الممتد بطول الردهة الخاصة بقاعة المؤتمرات حينما استطرد حديثه الباسم إليها
رغم التوتر الذي اعتراها إلا أنها أخفته وراء ابتسامة رقيقة منمقة لترد في إيجاز
شكرا.
لم تصدق أنها استطاعت الانسياق وراء دعوته الملحة بطرح أفكارها المتفردة على المجتمع العلمي ترددت في البداية وعارضت قبولها لكنها استسلمت مع تصميمه وخاضت التجربة غير متوقعة نجاحها لكنه أمدها بكل السبل والوسائل التي جعلت أحلامها تصبح حقيقة ملموسة لتحفر بذلك اسمها بين جموع العلماء والأطباء المعروف عنهم دوما بإقدامهم على تقديم مبادرات علمية مفيدة للغير مما دفعها لتكون من ضمن المرشحين الأوائل للمشاركة في أي مؤتمر علمي. موجة من الارتباك عصفت بها وكأنها مرتها الأولى التي تتولى فيها الحديث عندما اقتربت من مدخل القاعة شعر ممدوح باضطرابها فقال ملطفا
ماتقلقيش أنا موجود جمبك في كل لحظة.
هزت رأسها في امتنان فأكمل بشيء من التوصية وهو يخفض بصره نحو بطنها المنتفخ والبارز من أسفل ثوبها الأسود اللامع
حاولي ماتتعبيش نفسك كتير...
لتتحول نبرته لشيء من اللؤم وهو يختتم عبارته
إنتي غالية عندنا.
أحست بتلميح متوار في جملته استدعى سيرة من لا تحبذ التفكير فيه فما كان منها إلا أن ضحكت قائلة في شيء من الاستهزاء
إيه دكتور مهاب موصيك عليا
صحح لها بتوضيح شبه جاد
لأ أنا بقالي مدة معرفش عنه حاجة بس حقيقي أنا خاېف عليكي مش حابب إنك تتعبي.
ارتبكت من طريقته في إظهاره لاهتمام مبالغ بها وقالت كأنما تتهرب منه
عن إذنك أنا اتأخرت.
تنحى للجانب ورد دون أن تخبت بسمته
اتفضلي وهتلاقيني مستنيكي لما تخلصي.
اكتفت بالإيماء برأسها قبل أن تتسارع خطواتها لتبتعد عنه وذلك الإحساس الغريب والمتناقض تجاهه يناوشها بقوة حاولت مقاومة التشوش الذي يسود مشاعرها بل
وينعكس تأثيره
الطاغي على تفكيرها فهناك أشياء لا تزال معلقة تحتاج للحسم قبل التفكير في أي أمر جديد.
جمع الأوراق الرسمية من أمامه بعدما فرغ من التوقيع عليها جميعا ليضعها بحرص في مغلف أبيض اللون ثم نقل المظروف إلى داخل حقيبته الجلدية وأغلقها قبل أن ينتقل من موضع وقوفه إلى حيث كان يجلس في مواجهته عند قدومه
لحجرة مكتبه. رفع المحامي نظره إلى رب عمله عندما شدد عليه بلهجته الصارمة
زي ما فهمتك يا حضرت الأفوكاتو.
في طاعة تامة علق عليه
اطمن يا فؤاد باشا كل اللي أمرت بيه هيتعمل.
تأكد الأخير أنه لم يغفل عن شيء مما كلف به وأضاف في تهذيب
استأذن معاليك.
أشار له فؤاد بيده لينصرف قائلا
اتفضل.
أثناء خروجه تقابل مصادفة مع سامي الذي رمقه بنظرة حائرة مستغربة لوجوده حاول استدراجه في الحديث ليعرف سبب زيارته لكنه لم يمنحه ما يسد به رمق فضوله فاتجه الأخير في الحال إلى مكتب أبيه ظل يراوغ ويحاور في مواضيع شتى إلى أن انتهى به المطاف متسائلا بنبرة مالت للتحقيق وهو يتفرس في قسماته
هو المحامي بيعمل إيه هنا يا باشا
أخبره بوجه شديد الصرامة دون أن ينظر إليه
موضوع مايخصكش.
بهتت ملامحه للغاية من إحراجه المتعمد له وقال حفظا لماء وجهه المراق
أنا بس بطمن لأحسن يكون في مشكلة ولا حاجة يعني مافيش داعي حضرتك تتعب نفسك كل اللي يمهني سلامتك وأنا موجود عشان آ...
قاطعه في صوت آمر غير متساهل
روح على مكتبك دلوقتي لما أحتاجك هناديلك.
تحول حرجه لعاصفة من الضيق اضطر مرغما لكظم ما يعتريه وقال متصنعا الابتسام
تمام يا باشا.
بدا في وجهه التذمر لأنه لم يعرف السر الذي يخفيه والده عنه خاصة مع تكرار قدوم محاميه الخاص دون أن يتم استدعائه لحضور لقائهما والذي يرتبط في الأغلب بالعمل والاتفاقات المتعلقة به لذا شك أن يكون الأمر أخطر مما يجيء في تصوره. تكلم سامي مع نفسه بعزم وهو يسير نحو مكتبه
لازم أعرف إيه اللي بيدور من ورايا!
انتابتها قشعريرة مريبة ومبررة عندما وطأت خارج جدران بيتها ندمت لأنها وافقت على ذلك وسارت وشعورها بالرهبة يغمرها مجاورة لزوجها اختلست النظرات على من حولها كانت تخشى من أي ردة فعل غير متوقعة حينما يراها أحدهم فقد توهمت أن الجميع مازالوا يذكرون تفاصيل ليلتها الدامية بعدما شاهدوا بأعينهم ما جرى حينها. هدأت خواطرها المتوترة نسبيا عندما وجدت أن هواجسها غير حقيقية. استعادت جأشها ومشت پخوف أخذ في التناقص حتى بلغت بنايتها القديمة. تركها عوض عند المدخل وقال
سلمي على الجماعة فوق وأنا هطلع عندهم لما أرجع.
أولته ظهرها مرددة بوجه شبه عابس
طيب.
تقابلت عند صعودها على الدرج مع جارتها إجلال التي كانت تنفض السجاد سعدت الأخيرة للغاية لرؤيتها وهللت في سرور متعاظم
دوسة حبيبتي.
احتضنتها وانهالت عليها بعشرات القبلات على كل وجنة وعاتبتها برقة
كده يا دوسة تنسيني يا حبيبتي
ردت بوجوم بائن
معلش.
تصنعت إجلال الضحك ومازحتها
شكل صحتك مش جاية على الجواز.
لم تجد منها أي تعليق فندمت على طرفتها على الموفقة وتساءلت لتغير من مجرى الحوار
إنتي عاملة إيه بقالنا كتير مشوفناكيش هنا هو سي عوض مانعك تزوري خالتي ولا إيه
نفت بهزة من رأسها وأجابتها صراحة وبنبرة مشوبة بالهم
لأ أنا اللي مكونتش حابة انزل من البيت.
تفهمت للأمر وقالت بود وهي تميل عليها بوجهه لتقبلها
مش هعطلك يا دوسة عشان تلحقي تقعدي مع خالتي شوية إن شاءالله نتقابل تاني.
تنهدت مغمغمة في نفس النبرة الموحية بالتعاسة
ربنا يسهل.
شهدت إجلال كيف يمكن لمشاعر الحب حينما يتم الغدر بها أن تتبدل لأخرى
على النقيض ناقمة
ساخطة وغير مقبلة على الحياة لأن أحد الطرفين كان منذ البداية مستغلا ومنافقا.
رغم استقبالها الحميمي والحار لها إلا أنها شعرت بأنها مجرد ضيفة عابرة بأن ما في المنزل ما عاد يخصها. اقتضبت في الحديث مع والدتها والتهت بتنظيف ما احتوى على الغبار لئلا تحادثها بما لا تريد البوح به خاصة ما يخص طبيعة علاقتها الفاترة مع زوجها. انقلبت سحنتها حينما جاءت خالتها على غير ميعاد وكأنها لا تبدو مرحبة بوجودها. سألتها أفكار بفضول وهي تجول بعينيها عليها من رأسها لأخمص قدميها
مالك يا دوسة خاسة كده ليه
ردت عليها وهي تجفف الأرضية المبتلة تحت قدميها بمنشفة جافة
أنا زي ما أنا.
تدخلت عقيلة في الحوار وأخبرتها بعد زمة سريعة لشفتيها
وربنا أنا قولت هي مابتكلش.
سكتت أفكار لهنيهة ثم تكلمت عاليا وبنزق
لأحسن تكوني حبلى!!
شهقت فردوس مصډومة وتوقفت عن التجفيف وهي منحنية على ركبتيها لتتطلع إليها بعينين مصدومتين في حين تابعت خالتها متسائلة بمكر
هو إنتو بقالكو كام شهر سوا
ردت عليها بوجوم
عيب يا خالتي الكلام ده.
ضحكت في تسلية وأصرت عليها بسخافة
يا بت هتعملي مكسوفة ولا إيه علينا برضوه!
مرة ثانية شاركتهما عقيلة الحديث وقالت بتعبير شبه جدي
أكيد لو في حاجة هتقول.
لم تبد شقيقتها مقتنعة بذلك وأردفت في نفس الأسلوب السمج المستفز
ده احنا بقالنا شهور مابنشوف وشك يعني لازما غرقانين في العسل والدلع وآ...
ضجرت فردوس من سماعها لمثل هذه التلميحات المتجاوزة وكأنها حقا تنعم بحياة هانئة مع من اختارت لذا أنكرتها في التو وبغير احتراز
محصلش هو احنا أصلا بنقعد سوا!!!
توقفت كلتاهما عن الكلام لتحدقا في وجهها بنظرات جمعت بين الدهشة والذهول آنئذ أدركت فردوس أنها أخطأت في إبلاغهما بحقيقة وضعها. استقامت واقفة ومسحت كفيها في جانبي قميصها المنزلي لتتجه بعدئذ بعينيها نحو أمها عندما لطمت على صدرها تسألها في جزع
يا نصيبتي ليه كده يا بت
أجابتها بوجه ممتعض
مافيش يامه مالناش نفس لبعض.
نظرت لها أفكار شزرا وعقبت بنبرة مليئة بالاستهجان ويدها تشير إليها باحتقار
طبعا ونفسه هتتفتح إزاي شوفي بوزها ممدود شبرين لقدام!
اشټعل وجهها غيظا من أسلوبها الفظ فلم تكف عن مضايقتها واستمرت تقول
بقى ده شكل واحدة هتخلي جوزها يلبد في البيت ليه